للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تحرّضان نوازع التنافس، وتعزّزان الأنانية والميول الفردية الغريزية، وتصادمان بها المصلحة الجماعية، فإن النظام المتعيّن في آداب وتقاليد ومؤسسات، يجتهد لترويض تلك الغريزة الجامحة لصالح المجموع، فـ"الحضارة، لو علمنا، لم تقم لها قائمة إلا عندما تخلينا عن رغباتنا في الإشباع الغريزي، وهي ثمرة نبذنا لهذه الغرائز ...

وتزيد المؤثرات الحضارية من فرص تحول الميول والاتجاهات الأنانية في الإنسان إلى ميول واتجاهات غيرية واجتماعية"، وهذا ما يسمى بالتكيّف الثقافي (١)، أو الكبت الثقافي، على حدّ تعبير فرويد (٢).


(١) والتكيّف الثقافي هو تلك "القدرة الشخصية التي لكل فرد، والتي تمكنه من تغيير دوافعه الأنانية إلى دوافع غيرية اجتماعية بتأثير طاقة الحب"، فرويد، سيجموند: الحب والحرب والحضارة والموت، ص١٩، أو الواجب؛ إذ تراعي النظرية الإسلامية هذين المصدرين؛ الحب والواجب، من أجل التحقق العملي للقيم، فإذا لم تتوافر الميول دافعًا، تحرّك الإنسان تحت سلطان الواجب، فليس كل ما يجب علينا نحبه. أما في الغرب فإن هناك جدلاً عريضًا يتنازع مفكريه حول هل يجب عليّ إذًا أقدر، أم أقدر إذًا يجب عليّ، وقد عُدّ الحب من أسباب القدرة الأساسية! والحق أن حل الإشكال في هذه المسألة، والتوفيق بين الولاء للحب والولاء للواجب، وإحقاق التوازن بينهما، والاعتراف بسلطان الواجب وإن عاكس الميول والرغبات، يُوجد مخرجًا لشباب هذه الأمة الذين يتذرّعون بالظروف والبيئة لتبرير فشلهم وكسلهم، ويعلمهم أنه ينبغي عليهم أن ينجحوا في أداء ما يحبون وما لا يحبون وإتقانه، ما دام واجبًا عليهم أداؤه.
(٢) فرويد، سيجموند: الحب والحرب والحضارة والموت، ص٦٣.

<<  <   >  >>