- حضنت الفكرةُ الحضارية الغربية مجموعةً من القيم الكلية استمدت منها معناها، وأمدتها بطاقة الحركة والإنجاز، وأهم هذه القيم وأبرزها: الإيمان بالعلم والعقل، وتقديس الإنسان. وإذا تأملنا مخطط الحضارة الغربية وجدنا أنه في مرحلتي الإقلاع والذروة يكاد يتوازى فيهما مؤشرا الدوافع؛ قيمًا ومصلحةً، ومؤشرُ الإنجازات، لأن الفكرة الغربية التي يمثلها مؤشر القيم كانت تبحث عن تحققها التدريجي عن طريق ضمانها لقائمة من المصالح كفلت لها سلسلة من الإنجازات الحضارية المتتابعة. بيد أن مؤشر القيم يبدأ مع الحرب العالمية الأولى في الانحدار نتيجة فقدان الثقة بالعقل والعلم، وامتهان كرامة الإنسان وانتهاكات روحه وجسده، والاضطرار إلى البحث عن بدائل أخلاقية، نتيجة الفساد المتفشي في المجتمعات الغربية وتفككها الداخلي .. كل هذا رسّخ الشكّ في قيم العقل الغربي الكلية وفي منطلقاته الفكرية، فأدى بالنتيجة إلى بروز انفصال حادّ بين مؤشر القيم ومؤشري المصلحة والإنجازات اللذين يتابعان توازيها وصعودها متحللَين من إطار القيم، ومنفلتَين من الضوابط الأخلاقية ومثاليات النفس الغربية! =