للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والإنسان، وعندما تتحوّل المعاناة إلى ظاهرة شائعة، وتتكرّر الآلام، وتتأبّد، وتصير واقعًا مألوفًا، ويغدو الهمّ الفردي همًا عامًا يغرق غالبية الأمة، وعندما تتماوت النفوس، ويعمرها اليأس، تقتات من يأسها وعليه، لتبرّر به استكانتها وعجزها وقنوطها، بعد أن أنفقت رأس مالها، واستهلكت فكرتها الحضارية من زمن بعيد، وقد كانت تشتعل بها في وجه المحن والتحديات!!

لن تهزم التحديات أمة إلا إذا وصلت إلى مرحلة الهزيمة النفسية، وافتقرت إلى معادل داخلي يمدّها بالطاقة، والعادة أن تبرر الأمم الضعيفة هزيمتها بقسوة التحديات، سواء كانت داخلية أو خارجية، محاوِلةً التهرّب من المسؤولية، وإنما قُوْتها وقوَّتها من ذاتها، فـ"لكيلا نكون مستعمَرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار" (١)، ولكيلا تعيش أمة الانحطاط، لا بد من أن تتخلص من القابلية للانحطاط!


(١) بن نبي، مالك: شروط النهضة، ص٩. ونحن نعلم كيف أن هجمة المغول الشرسة لم تستطع أن تفني الحضارة الإسلامية، على الرغم مما أحدثته من دمار في كل المستويات، ولعل أشدها كان على المستوى النفسي، إلا أن الأمة التي امتلكت مقومات وجود واضحة، وكانت تعرف ما تريد، استعادت زمام الأمور وأكملت اندفاعها التاريخي حتى صارت في عهد العثمانيين أقوى دول العالم وأوسعها امتدادًا، بل إن الحضارة استطاعت أن تطوي المستعمر داخلها وتحوّل المغول المتوحشين إلى حاملين للثقافية الإسلامية ودائنين بها، وحكموا باسمها وكان لهم إسهامهم المميز في تاريخها، ونظير لهذا اجتياح الصليبيين للبلاد الإسلامية وعودتهم مطرودين بعد صراع دام أجيالاً عديدة.

<<  <   >  >>