للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُطلَق على ثقافة ما أو أمة من الأمم لتمايز نوعي في طبيعة قيمها ووجودها المادي والمعنوي، وقوة تأثيرها في محيطها. وعندما يغدو هذا التمايز كميًا فإن الحضارة تدخل في طور المدنية، فالمدنيّة مرحلة من مراحل الحضارة، وليست هي الحضارة، وإذا كان الغالب في الحضارة أن تكون روحية بمعنى قيميّة، أو مبدئية، فإن المدنيّة تكون في الغالب مادية نفعية. والدولة هي أداة من أدوات تحقق الحضارة وهي المظهر السياسي لها، وليست هي الأمة، ولا فيها تختصر الحضارة (١).

إن مصطلح النهضة هو - لا شك - منبئ عن مرحلة لاحقة للسقوط، أي هي مرحلة من مراحل الحضارة تعقب الضعف والانحلال، وجمرة توقّد لبعثها من جديد، ولكنها غير لازمة، وإنما هي خيار بشري ومظهر لإرادة تحرير جبارة.

لقد جر الخلط بين "الزمن" و"الحضارة" إلى الجبرية وتعطيل الإرادة البشرية، وافتراض عدم القدرة على مواجهة حركة الزمن القاهرة. ذلك كما الخلط بين "التاريخ" و"الحضارة"، إذ إن أحداث "التاريخ" ليست صورًا آلية قابلة للاستعارة والنسخ، وإنما هي نماذج وعلامات على قوانين كلية داخلية قابلة للفهم والحوار والتوظيف. ولمّا ذابت الحدود بين "الثقافة" و"الحضارة" ولد الفكر الاستعماري، أو


(١) قد يبرز التعيّن المادي للأمة في بعض النماذج الحضارية في شكل الدولة نفسها، كما هو الحال في مفهوم المواطنة في الدول الغربية الحديثة، ولكن هذا لا يلغي أن الغرب بمختلف دوله وولاءاته القومية، يخضع لنموذج حضاري واحد يستمد منه مقولاته الكلية ومرجعياته المشتركة.

<<  <   >  >>