للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فإن لم يكن فيه ضياء وإلا تحيروا، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس، لابد لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟ هكذا العلماء في الناس، لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض ولا كيف اجتناب المحارم، ولا كيف يعبد الله في جميع ما يعبد به خلقه إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العلماء تحير الناس، ودرس العلم بموتهم، وظهر الجهل (١).

واستمع إلى أبي الوفاء ابن عقيل وهو يصف ما لأهل العلم عند الله تعالى فيقول: حاشا المبدئ الخالق لهم على تلك الأشكال والعلوم، أن يرضى لهم بتلك الأيام اليسيرة، لا والله لا رضي لهم إلا بضيافة تجمعهم على مائدة تليق بكرمه سبحانه، نعيم بلا ثبور، وبقاء بلا موت، واجتماع بلا فرقة، ولذات بغير نغصة.

بل لقد بلغ من شرف العلم عند الناس أن ملوك الأرض وسلاطينها كانوا يتمنون أن يكونوا من أهل العلم، فمن ذلك ما رواه ابن عساكر عن محمد بن سلام الجمحي قال: قيل للخليفة المنصور: هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تحصله؟ فقال: بقيت خصلة أن أقعد على سرير المدرس وحولي طلاب الحديث فيقول المستملي: حدثنا، فأقول: حدثنا فلان عن فلان ..... عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال محمد بن سلام: فلما

كان الصباح غدا الوزراء وأبناؤهم، ومعهم المحابر والدفاتر، ودخلوا


(١) أخلاق العلماء ص ٩٦.

<<  <   >  >>