للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك وقد اجتمع الناس حولي يسألونني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني (١).

وهذا يعقوب بن سفيان يتحدث عن طلبه للعلم وصبره على ذلك ومجاهدته النفس حتى رزقه الله العلم والفقه فيقول: أقمت في الرحل ثلاثين عاماً، ففي إحدى رحلاتي قلت نفقتي، فكنت أعمل بنسخ الكتب ليلاً، وأطلب العلم بالنهار، وفي ذات ليلة بينا أنا جالس أكتب وأنسخ على ضوء السراج، وكان الوقت شتاءً، إذ نزل الماء في عيني، وما عدت أبصر شيئاً فبكيت أسفاً على ذهاب بصري لما سيفوتني من قراءة العلم وكتابته، فغلبتني عيناي فنمت وأنا على تلك الحال، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فناداني وقال: لم بكيت؟ فقلت: ذهب بصري فتحصرت على ما فاتني من العلم، فقال لي: ادن مني، فدنوت منه، فأمر يده على عيني كأنه يقرأ عليها ثم استيقظت فأبصرت، فأخذت نسختي وواصلت الكتابة (٢).

وذكر القاضي عياض أن أبا الوليد الباجي كان أصله من «بطليوس» ثم انتقل إلى «باجة الأندلس» فقيراً حتى احتاج أثناء سفره إلى أن يؤجر نفسه لحراسة درب من الدروب، فكان يستعين بأجره الحراسة على النفقة لطلب العلم، وبضوء مصابيح الدرب على

القراءة والمطالعة، ثم إنه تولى ضرب صفائح الذهب وطرقها ودقها

لتكون خيوطاً توضح في النسيج والقماش، فكان يخرج إلى بعض تلاميذه


(١) البداية والنهاية ٨/ ٢٩٨، وابن عبد البر في بيان العلم وفضله ١/ ١٠٦.
(٢) تهذيب التهذيب ١١/ ٣٨٧ بتصرف.

<<  <   >  >>