جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث مراتب الفقهاء والمتفقهين من غير أن يشذ منها شيءٌ؛ فالأرض الطيبة: هي مثل الفقيه الضابط لما روى، الفاهم للمعاني، المحسن لرد ما اختلف فيه إلى الكتاب والسنة، والأجادب الممسكة للماء التي يستقي منها الناس هي مثل الطائفة التي حفظت ما سمعت فقط، وضبطته وأمسكته، حتى أدته إلى غيرها محفوظاً غير مغيرٍ، دون أن يكون لها فقه تتصرف فيه ولا فهمٌ بالرد المذكور وكيفيته، لكن نفع الله بها في التبليغ، فبلغت إلى من لعله أوعى منها كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رب مبلغٍ أوعى من سامع، ورب حامل فقه ليس بفقيه».
ومن لم يحفظ ما سمع ولا ضبط فليس مثل الأرض الطيبة ولا مثل الأجادب، بل هو محروم، ومثله مثل القيعان التي لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء.
ومع تيسير السبل وسهولة طلب العلم كم فينا من المحرومين منه والغافلين عنه؟ !
رحل أسد بن الفرات رحمه الله إلى محمد بن الحسن الشيباني، ولما حضر عنده، قال له: إني رجل غريب قليل النفقة والسماع منك قليل، والطلبة عندك كثير، فقال له محمد بن الحسن: اسمع مع العراقيين بالنهار، وقد جعلت لك الليل وحدك فتبيته عندي وأحدثك بالعلم، قال أسد: فكنت أبيت الليل في منزل محمد بن الحسن، فينزل إلي ومعه قدح من الماء، ثم يأخذ ويبدأ في القراءة من كتب العلم
وأنا أستمع إليه، فإن طال الليل ونعست ملأ بالماء ونضح به