بسواء. وهذا التنوع في معنى اللفظ الواحد هو الذي تدل عليه اللغة ثم الشرع الذي جاء بلغة العرب: لغة القرآن الكريم، فمن أجل ذلك كان الواجب على كل من يتصدى لإصدار الأحكام على المسلمين -سواء كانوا حكاما أو محكومين- أن يكون: على علم بالكتاب والسنة على ضوء منهج السلف الصالح، والكتاب والسنة لا يمكن فهمهما -وكذلك ما ضم إليهما- إلا بطريق اللغة العربية وآدابها، فإن مما يساعده في استدراك ذلك الرجوع إلى فهم من قبله من الأئمة والعلماء، خاصة إذا كانوا من أهل القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية.
نعود الآن إلى هذه الآية:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤]، فما المراد بالكفر فيها؟ هل هو الخروج عن الملة أو غير ذلك؟
هنا الدقة في فهم هذه الآية، فإنها قد تعني الكفر العملي، وهو الخروج بالأعمال عن بعض أحكام الإسلام، ويساعدنا في هذا الفهم حبر الأمة وترجمان القرآن ألا وهو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، لأنه من الصحابة الذين اعترف المسلمون جميعا إلا من كان من تلك الفرق الضالة- على أنه إمام فريد في التفسير، وكأنه طرق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تماما، أن هناك أناسا يفهمون الآية على ظاهرها دون تفصيل، فقال رضي الله عنه:" ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة، هو كفر دون كفر"(١) ولعله يعني بذلك الخوارج الذين خرجوا على
(١) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٣١٣)، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.