للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمليا إلا إذا بدا لنا منهم ما يكشف لنا عما في قرارة نفوسهم أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله "عقيدة"، فإذا عرفنا أنهم وقعوا في هذه المخالفة القلبية حكمنا حينئذ بأنهم كفروا كفر ردة، أما إذا لم نعلم ذلك فلا سبيل لنا إلى الحكم بكفرهم لأننا نخشى أن نقع في وعيد قوله عليه الصلاة والسلام: " أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه" (١)، والأحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة جدا، ونذكر بهذه المناسبة بقصة ذلك الصحابي الذي قاتل أحد المشركين فلما رأى المشرك أنه صار تحت ضربة سيف المسلم الصحابي قال: "أشهد أن لا إله إلا الله"، فما بالاها الصحابي فقتله، فلما بلغ خبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر عليه ذلك أشد الإنكار، فاعتذر الصحابي بأنه ما قالها إلا خوفا من القتل، وكان جوابه صلى الله عليه وسلم: " هلا شققت عن قلبه" (٢).

إذا الكفر الاعتقادي ليس له علاقة بالعمل، له علاقة بالقلب، ونحن لا نستطيع أن نعلم ما في قلب الفاسق والفاجر والسارق والزاني والمرابي ... إلخ، إلا إذا عبر عما في قلبه بلسانه، أما عمله فينبئ أنه خالف الشرع مخالفة عملية، فنحن نقول: إنك خالفت، وإنك فسقت وفجرت، لكن لا نقول: إنك كفرت وارتددت عن دينك، حتى يظهر منه شيء يكون لنا عذرا عند الله عز وجل، في الحكم بردته، وبالتالي الحكم المعروف


(١) رواه مسلم في "الصحيح (٦٠) والبخاري في "الصحيح" (٥٧٥٢) وأبو عوانة في "المسند" (٢٢١١).
(٢) رواه أحمد في "المسند" (٥/ ٢٠٧) ومسلم (٩٦) وأبو داود في "السنن" (١٦٩٤) والبيهقي في "السنن" (٥/ ١٧٦) وابن ماجه (٣٩٣٠) نحوه.

<<  <   >  >>