فجهزهما حافده أبو ثابت المالك بعده، وشيعهما إلى مصر، فاعترضتهما قبائل حصين ونهبوهما، ودخلا بجاية، ثم مضيا إلى تونس، ووصلا من هنالك إلى مصر.
ولما ملك السلطان أبو الحسن تلمسان، اقترحت عليه جارية أبيه أبي سعيد، وكانت لها عليه تربية، فأرادت الحج في أيامه وبعنايته، فأذن لها في ذلك، وبعث في
خدمتها وليه عريف بن يحيى من أمراء سويد، وجماعة من أمرائه وبطانته، واستصحبوا هدية منه للملك الناصر احتفل فيها ما شاء. وانتقى من الخيل العتاق، والمطايا الفره وقماش الحرير والكتان، والصوف ومدبوغ الجلود الناعمة، والأواني المتخذة من النحاس والفخار المخصوص كل مصر من المغرب بأصناف من صنائعها، متشابهة الأشكال والأنواع، حتى لقد زعموا أنه كان فيها مكيلة من اللآلئ والفصوص، وكان ذلك وقر خمس مائة بعير، وكانت عتاق الخيل فيها خمس مائة فرس، بالسروج الذهبية المرصعة بالجواهر، واللجم المذهبة، والسيوف المحلاة بالذهب واللآلئ، كانت قيمة المركب الأول منها عشرة آلاف دينار، وتدرجت على الولاء إلى آخر الخمس مائة، فكانت قيمته مائة دينار. تحدث الناس بهذه الهدية دهراً، وعرضت بين يدي الملك الناصر، فأشار إلى خاسكيته بانتهابها فنهبت بين يديه، وبولغ في كرامة أولئك الضيوف، في إنزالهم وقراهم وإزوادهم إلى الحجاز وإلى بلادهم، وبقي شأن الهدية حديثاً يتجاراه الناس في مجالسهم وأسمارهم، وكان ذلك عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة. ولما فصل أرسال ملك المغرب، وقد قضوا فرضهم، بعث الملك الناصر معهم هدية كفاء هديتهم، وكانت أصنافها حمل القماش من ثياب الحرير والقماش المصنوعة بالإسكندرية، تحمل كل عام إلى دار السلطان، قيمة ذلك الحمل خمسون ألف دينار، وخيمة من خيام السلطان المصنوعة بالشام على مثال القصور، تشتمل على بيوت للمراقد، وأواوين للجلوس والطبخ، وأبراج للإشراف على