الطرقات، وأبراج أحدها لجلوس السلطان للعرض، وفيها تمثال مسجد بمحرابه، وعمده، ومأذنته، حوائطها كلها من خرق الكتان الموصولة بحبك الخياطة مفصلة على الأشكال التي يقترحها المتخذون لها. وكان فيها خيمة أخرى مستديرة الشكل، عالية السمك، مخروطة الرأس، رحبة الفناء، تظل خمس مائة فارس أو أكثر، وعشرة من عتاق الخيل
بالمراكب الذهبية الصقيلة، ولجمها كذلك، ومرت هذه الهدية بتونس، ومعها الخدام القائمون بنصب الأبنية، فعرضوها على السلطان بتونس. وعاينت يومئذ أصناف تلك الهدية، وتوجهوا بها إلى سلطانهم، وبقي التعجب منها دهراً على الألسنة. وكان ملوك تونس من الموحدين، يتعاهدون ملوك مصر بالهدية في الأوقات.
ولما وصلت إلى مصر، واتصلت بالملك الظاهر، وغمرني بنعمه وكرامته، كاتبت السلطان بتونس يومئذ، وأخبرته بما عند الملك الظاهر من التشوف إلى جياد الخيل، وخصوصاً من المغرب، لما فيها من تحمل الشدة والصبر على المتاعب، وكان يقول مثل ذلك، وأن خيل مصر قصرت بها الراحة والتنعم، عن الصبر على التعب، فحضضت السلطان بتونس على إتحاف الملك الظاهر بما ينتقيه من الجياد الرائعة، فبعث له خمسة انتقاها من مراكبه، وحملها في البحر في السفين الواصل بأهلي وولدي، فغرقت بمرسى الإسكندرية، ونفقت تلك الجياد، مع ما ضاع في ذلك السفين، وكل شيء بقدر.
ثم وصل إلينا عام ثلاثة وتسعين شيخ الأعراب: المعقل بالمغرب، يوسف بن علي بن غانم، كبير أولاد حسين ناجياً من سخط السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم، من ملوك بني مرين بفاس، يروم قضاء فرضه، ويتوسل بذلك لرضى سلطانه، فوجد السلطان غائباً بالشام في فتنة منطاش، فعرضته لصاحب المحمل. فلما عاد من قضاء فرضه، وكان السلطان قد عاد من الشام، فوصلته به، وحضر بين يديه، وشكا بثه، فكتب الظاهر فيه شفاعة لسلطان وطنه بالمغرب، وحمله مع ذلك هدية إليه