وأصبحت الدولتان عظيمتين، وانتظمتا العالم بما فيه. ونازع الترك ملوك فارس في خراسان، وما وراء النهر، وكانت بينهم حروب مشهورة، واستقر ملكهم في بني أفراسياب، ثم ظهر خاتم الأنبياء محمد صلوات الله عليه، وجمع العرب على كلمة الإسلام، فاجتمعوا له، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم، وقبضه الله إليه، وقد أمر بالجهاد، ووعد عن الله بأن الأرض لأمته، فزحفوا إلى كسرى، وقيصر بعد سنتين من وفاته،
فانتزعوا الملك من أيديهما، وتجاوزوا الفرس إلى الترك، والروم إلى البربر والمغرب، وأصبح العالم كله منتظماً في دعوة الإسلام. ثم اختلف أهل الدين من بعده في رجوعهم إلى من ينظم أمرهم، وتشيع قوم من العرب فزعموا أنه أوصى بذلك لابن عمه علي، وامتنع الجماعة من قبول ذلك، وأبوا إلا الاجتهاد في تعيينه، فمضى على ذلك السلف في دولة بني أمية التي استفحل الملك والإسلام فيها، وتنافل التشيع بتشعب المذاهب، في استحقاق بني علي، وأيهم يتعين له ذلك، حتى انساق مذهب من مذاهبهم إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فظهرت شيعته بخراسان، وملكوا تلك الأرض كلها، والعراق بأسره. ثم غلبوا على بني أمية، وانتزعوا الملك من أيديهم، واستفحل ملكهم، والإسلام باستفحاله، وتعمد خلفاؤهم.
ثم خامر الدولة ما يخامر الدول من الترف والراحة، ففشلوا. وكثر المنازعون لهم من بني علي وغيرهم، فظهرت دولة لبني جعفر الصادق بالمغرب، وهم العبيديون بنو عبيد الله المهدي بن محمد، قام بها كتامة وقبائل البربر، واستولوا على المغرب ومصر، ودولة بني العلوي بطبرستان، قام بها الديلم وإخوانهم الجيل، ودولة بني أمية النائية بالأندلس، لأن بني العباس لما غلبوهم بالمشرق، وأكثروا