ولا أدري كيف صح انحصار النسب في هؤلاء الثلاثة عند النسابين، أمن النقل؟ وهو بعيد كما قدمناه، أو هو رأي تفرع لهم من انقسام جماعة المعمور، فجعلوا
شعوب كل جهة لأهل نسب واحد يشتركون فيه، فجعلوا الجنوب لبني سام، والمغرب لبني حام، والشمال لبني يافث. إلا أنه المتناقل بين النسابة في العالم، كما قلناه، فلنعتمده ونقول: أول من ملك الأرض من نسل نوح عليه السلام، النمرود بن كنعان بن كوش، بن حام ووقع ذكره في التوراة. وملك بعده عابر بن شالخ الذي ينسب إليه العبرانيون والسريانيون، وهم النبط، وكانت لهم الدولة العظيمة، وهم ملوك بابل، من نبيط بن أشور بن سام، وقيل نبيط بن ماش بن إرم، وهم ملوك الأرض بعد الطوفان على المسعودي. وغلبهم الفرس على بابل، وما كان في أيديهم من الأرض، وكانت في العالم دولتان عظيمتان، لملوك بابل هؤلاء، وللقبط بمصر: هذه في المغرب والأخرى في المشرق، وكانوا ينتحلون الأعمال السحرية، ويعولون عليها في كثير من أعمالهم، وبرابي مصر، وفلاحة ابن وحشية، يشهدان بذلك. فلما غلب الفرس على بابل، استقل لهم ملك المشرق، وجاء موسى - صلوات الله عليه - بالشريعة الأولية، وحرم السحر وطرقه، وغلب الله له القبط بإغراق فرعون وقومه، ثم ملك بنو إسرائيل الشام، واختطوا بيت المقدس، وظهر الروم في ناحية الشمال والمغرب، فغلبوا الفرس الأولى على ملكهم. وملك ذو القرنين الإسكندر ما كان بأيديهم، ثم صار ملك الفرس بالمشرق إلى ملوكهم الساسانية، وملك بني يونان بالشام والمغرب إلى القياصرة، كما ذكرنا ذلك كله من قبل.