للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معنى الجواني في وصف المغرب، فقلت هو في عرف خطابهم معناه الداخلي، أي

الأبعد، لأن المغرب كله على ساحل البحر الشامي من جنوبه، فالأقرب إلى هنا برقه، إفريقية، والمغرب الأوسط: تلمسان وبلاد زناتة، والأقصى: فاس ومراكش، وهو معنى الجواني. فقال لي: وأين مكان طنجة من ذلك المغرب. فقلت: في الزاوية التي بين البحر المحيط، والخليج المسمى بالزقاق، وهو خليج البحر الشامي، فقال: وسبته؟ قلت: على مسافة من طنجة على ساحل الزقاق، ومنها التعدية إلى الأندلس، لقرب مسافته، لأنها هناك نحو العشرين ميلاً. فقال: وفاس. فقلت: ليست على البحر، وهي في وسط التلول، وكرسي ملوك المغرب من بني

مرين. فقال: وسجلماسة؟ قلت: في الحد ما بين الأرياف والرمال من جهة الجنوب. فقال: لا يقنعني هذا، وأحب أن تكتب لي بلاد المغرب كلها، أقاصيها وأدانيها وجباله وأنهاره وقراه وأمصاره، حتى كأني أشاهده. فقلت: يحصل ذلك بسعادتك، وكتبت له بعد انصرافي من المجلس لما طلب من ذلك، وأوعبت الغرض فيه في مختصر وجيز يكون قدر اثنتي عشرة من الكراريس المنظفة القطع. ثم أشار إلى خدمه بإحضار طعام من بيته يسمونه الرشتة، ويحكمونه على أبلغ ما يمكن، فأحضرت الأواني منه، وأشار تعرضها علي، فمثلت قائماً، وتناولتها وشربت واستطبت، ووقع ذلك منه أحسن المواقع، ثم جلست وسكتنا، وقد غلبني الوجل بما وقع من نكبة قاضي القضاة الشافعية، صدر الدين المناوي، أسره التابعون لعسكر مصر. بشقحب، وردوه، فحبس عندهم في طلب الفدية منه، فأصابنا من ذلك وجل، فزورت في نفسي كلاماً أخاطبه به، وأتلطفه بتعظيم أحواله، وملكه. وكنت قبل ذلك بالمغرب قد سمعت كثيراً من الحدثان في ظهوره، وكان المنجمون المتكلمون في قرانات العلويين يترقبون القران العاشر في المثلثة الهوائية، وكان يترقب عام ستة وستين من المائة السابعة. فلقيت

<<  <   >  >>