أهل مكْنَاسَة. (كان) مبرزاً في المنقول والمعقول، وعارفاً بالحديث وبرجاله، وإماماً في معرفة كتاب الموطأ وإقرائه؛ أخذ العلوم عن مشيخة فاس، ومكناسة، ولقي شيخنا أبا عبد الله الآبلي، ولازمه، وأخذ عنه العلوم العقلية، فاستنفد بقية طلبه عليه، فبرَّز آخرا؛ واختاره السلطان لمجلسه، فاستدعاه، ولم يزَل معه إلى أن هلك غريقاً في ذلك الأسطول.
ومنهم القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد النور، من أعمال نَدْرُومَة، ونسبه في صنهاجة كان مبرزاً في الفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس، تفقه فيه على الأخوين أبي زيد، وأبي موسى ابني الإمام، وكان من جلة أصحابهما.
ولما استولى السلطان أبو الحسن على تلمسان، رفع من منزلة ابني الإمام، واختصهما بالشورى في بلدهما. وكان يستكثر من أهل العلم في دولته، ويجري لهم الأرزاق، ويعمر بهم مجلسه؛ فطلب يومئذ من ابن الإمام أن يختار له من أصحابه من ينظمه في فقهاء المجلس، فأشاروا عليه بابن عبد النور هذا، فأدناه،
وقرب مجلسه، وولاه قضاء عسكره، ولم يزل في جملته إلى أن هلك في الطاعون بتونس سنة تسع وأربعين. وكان (قد) خلف بتلمسان أخاه علياً رفيقه في دروس ابن الإمام، إلا أنه أقصر باعاً منه في الفقه. فلما خلع السلطان أبو عنان طاعة أبيه السلطان أبي الحسن، ونهض إلى فاس، استنفره في جملته. وولاه قضاء مكناسة، فلم يزل بها، حتى إذا تغلب عمر بن عبد الله على الدولة كما مر، نزع إلى قضاء