والأدب، منتحلاً للشعر، غاية في الكرم وحسن العهد، وسذاجة النفس، ولما مررت به سنة أربع وستين، أنزلني ببيته إزاء المسجد الجامع، وبلوت منه ما لا يقدر مثله من الملوك، وأركبني الحراقة ليلة سفري، يباشر دحرجتها إلى الماء بيده، إغراباً في الفضل
والمساهمة. وحططت بجبل الفتح وهو يومئذ لصاحب المغرب. ثم خرجت منه إلى غرناطة، وكتبت إلى السلطان ابن الأحمر ووزيره ابن الخطيب بشأني. وليلة بت بقرب غرناطة على بريد منها، لقيني كتاب ابن الخطيب يهنئني بالقدوم ويؤنسني، ونصه:
يميناً بمن تعنو الوجوه لوجهه ... من الشيخ والطفل المهدَّإ والكهل
لقد نشأت عندي للقياك غبطة ... تنسي اغتباطي بالشبيبة والأهل
وودي لا يحتاج فيه لشاهد ... وتقريري المعلوم ضرب من الجهل
أقسمت بمن حجت قريش لبيته، وقبر صرفت، أزمة الأحياء لميته، ونور ضربت الأمثال بمشكاته وزيته. لو خيرت أيها الحبيب الذي زيارته الأمنية السنية، والعارفة الوارفة، واللطيفة المطيفة، بين رجع الشباب يقطر ماء، ويرف نماء، ويغازل عيون الكواكب، فضلاً عن الكواعب، إشارة وإيماء، بحيث لا الوخط يلم بسياج لمته، أو يقدح ذباله في ظلمته، أو يقدم حواريه في ملته، من الأحابش وأمته، وزمانة روح وراح، ومغدى في النعيم ومراح، وقصف صراح، ورقى وجراح، وانتخاب واقتراح، وصدور ما بها إلا انشراح، ومسرات تردفها أفراح، وبين قدومك