خليع الرسن، ممتعاً - والحمد لله - باليقظة والوسن، محكماً في نسك الجنيد أو فتك الحسن، ممتعاً بظرف المعارف، مالئاً أكف الصيارف، ماحياً بأنوار البراهين شبه الزخارف لما اخترت الشباب وإن شاقني زمنه، وأعياني ثمنه، وأجرت سحاب دمعي ثمنه. فالحمد لله الذي رقى جنون اغترابي، وملكني أزمة آرابي، وغبطني بمائي وترابي، ومألف أترابي، وقد أغصني بلذيذ شرابي، ووقع على سطوره المعتبرة إضرابي. وعجلت هذه مغبطة بمناخ المطية، منتهى الطية، وملتقى للسعود غير البطية، وتهني الآمال الوثيرة الوطية. فما شئت من نفوس
عاطشة إلى ريك، متجملة بزيك، عاقلة خطا مهريك، ومولى مكارمه نشيدة أمثالك، ومظان مثالك، وسيصدق الخبر ما هنالك، ويسع فضل مجدك في التخلف عن الإصحار، لا، بل للقاء من وراء البحار، والسلام.
ثم أصبحت من الغد قادماً على البلد، وذلك ثامن ربيع الأول عام أربعة وستين، وقد اهتز السلطان لقدومي، وهيأ لي المنزل من قصوره، بفرشه وماعونه، وأركب خاصته للقائي، تحفياً وبراً، ومجازاة بالحسنى؛ ثم دخلت عليه فقابلني بما يناسب ذلك، وخلع علي وانصرفت. وخرج الوزير ابن الخطيب فشيعني إلى مكان نزلي؛ ثم نظمني في علية أهل مجلسه، واختصني بالنجي في خلوته، والمواكبة في ركوبه، والمواكلة والمطايبة والفكاهة في خلوات أنسه، وأقمت على ذلك عنده، وسفرت عنه سنة خمس وستين إلى الطاغية ملك قشتالة يومئذ، بتره بن الهنشه بن أذفونش، لإتمام عقد الصلح ما بينه وبين ملوك العدوة، بهدية فاخرة، من ثياب الحرير، والجياد المقربات بمراكب الذهب الثقيلة، فلقيت الطاغية بإشبيلية، وعاينت آثار سلفي بها، وعاملني من الكرامة بما لا مزيد عليه، وأظهر الاغتباط بمكاني، وعلم أولية سلفنا بإشبيلية. وأثنى علي عنده طبيبه إبراهيم بن زَرْزَرَ اليهودي، المقدم في الطب