ونجم النفاق في سائر أعمال المغرب الأوسط، واختلف أحياء زغبة على السلطان، وانتبذ الكثير عنه إلى القفر. ولم يزل يستألفهم حتى اجتمع له الكثير منهم، فخرج في عساكره في منتصف تسع وستين إلى حصين وأبي زيان، واعتصموا بجبل تيطري، وبعث إلي في استنفار الدواودة للأخذ بحجزتهم من جهة الصحراء، وكتب يستدعي أشياخهم: يعقوب بن علي كبير أولاد محمد، وعثمان بن يوسف كبير أولاد سباع بن يحيى. وكتب إلى ابن مزنى قعيدة وطنهم بإمدادهم في ذلك، فأمدهم، وسرنا مغربين إليه، حتى نزلنا القطفا قبلة تيطري، وقد أحاط السلطان به
من جانب التل، على أنه إذا فرغ من شأنهم سار معنا إلى بجاية وبلغ الخبر إلى صاحب بجاية أبي العباس، فاستألف من بقي من قبائل رياح، وعسكر بطرف ثنية القصاب المفضية إلى المسيلة. وبينما نحن على ذلك اجتمع المخالفون من زغبة: وهم خالد بن عامر كبير بني عامر وأولاد عريف كبراء سويد، ونهضوا إلينا بمكاننا من القطفا، فأجفلت أحياء الدواودة، وتأخرنا إلى المسيلة، ثم إلى الزاب. وسارت زغبة إلى تيطري، واجتمعوا مع أبي زيان وحصين، وهجموا على معسكر السلطان أبي حمو ففلوه ورجع منهزماً إلى تلمسان. ولم يزل من بعد ذلك على استئلاف زعبة ورياح يؤمل الظفر بوطنه وابن عمه، والكرة على بجاية عاماً فعاماً، وأنا على حال في مشايعته، وإيلاف ما بينه وبين الدواودة، والسلطان أبي إسحاق صاحب تونس، وابنه خالد من بعده. ثم دخلت زغبة في طاعته، واجتمعوا على خدمته، ونهض من تلمسان لشفاء نفسه من حصين وبجاية، وذلك في أخريات إحدى وسبعين، فوفدت عليه بطائفة من الدواودة أولاد عثمان بن يوسف بن سليمان لنشارف أحواله، ونطالعه بما يرسم لهم في خدمته، فلقيناه بالبطحاء. وضرب لنا موعدا بالجزائر، انصرف به العرب إلى أهليهم، وتخلفت بعدهم لقضاء بعض الأغراض واللحاق بهم، وصليت به عيد الفطر على البطحاء، وخطبت به، وأنشدته عند انصرافه من المصلى أهنيه بالعيد، وأحرضه: