هذي الديار فحيهن صباحاً ... وقف المطايا بينهن طلاحا
لا تسأل الأطلال إن لم تروها ... عبرات عينك واكفاً ممتاحا
فلقد أخذن على جفونك موثقاً ... أن لا يرين مع البعاد شحاحا
إيه عن الحي الجميع وربما ... طرب الفؤاد لذكرهم فارتاحا
ومنازل للظاعنين استعجمت ... حزناً وكانت بالسرور فصاحا
وهي طويلة، ولم يبق في حفظي منها إلا هذا.
وبينما نحن في ذلك، بلغ الخبر بأن السلطان عبد العزيز صاحب المغرب الأقصى من بني مرين، قد استولى على جبل عامر بن محمد الهنتاتي بمراكش، وكان آخذاً بمخنقه منذ حول. وساقه إلى فاس فقتله بالعذاب، وإنه عازم على النهوض إلى تلمسان، لما سلف من السلطان أبي حمو أثناء حصار السلطان عبد العزيز لعامر في جبلة، من الأجلاب على ثغور المغرب، ولحين وصول هذا الخبر، أضرب السلطان أبو حمو عن ذلك الشأن الذي كان فيه، وكر راجعاً إلى تلمسان. وأخذ في أسباب الخروج إلى الصحراء، مع شيعة بني عامر من أحياء زغبة، فاستألف، وجمع، وشد الرحال، وقضى عيد الأضحى، وطلبت منه الإذن في الانصراف إلى الأندلس، لتعذر الوجهة إلى بلاد رياح، وقد أظلم الجو بالفتنة، وانقطعت السبل، فأذن لي، وحملني رسالة فيما بينه وبين السلطان ابن الأحمر. وانصرفت إلى المرسى بهنين، وجاءه الخبر بنزول صاحب المغرب تازاً في عساكره، فأجفل بعده من تلمسان، ذاهباً إلى الصحراء عن طريق البطحاء. وتعذر علي ركوب البحر من هنين فأقصرت، وتأدى الخبر إلى السلطان عبد العزيز بأني مقيم بهنين، وإن معي وديعة احتملتها إلى صاحب بالأندلس، تخيل ذلك بعض الغواة، فكتب إلى السلطان عبد العزيز فأنفذ من وقته سرية من تازا تعترضني لاسترجاع تلك الوديعة، واستمر هو إلى تلمسان، ووافتني