للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأضاء، فأرسينا حينئذ بالقرب من ساحل قرية يقال لها قِزِلْ اضا، فبتنا هناك والليل مزهر السراج، لابس من نور القمر أبيض الدِّيباج، وقد رقّ ذلك البحر وراق، وحلا وصفاً وإن كان مرّ المذاق، وأشرقت جنباته غاية الإشراق:

كأن الشعاع على متنه ... فرندٌ مصفحة سيفٍ صدي

وأشبه إذ درجته الصبا ... برادة تبرٍ على مبردِ

فلما هبّت بعد سكونها الصبا، وهبّ من نومه الصباح، واستتر نور القمر واختفى، وبدا نور الفجر ولاح، نشر من المركب بُنوده، وقلّد شراعه وأحكم شدوده، ثمّ رحلنا وسرنا، وأشرع ذلك الشراع فأشرعنا، وخفقَّ ذلك الجناح فطرنا، فلم نزل نسير وذلك المركب يكاد يطير وذلك البحر:

تتكسر الأمواج فيه فتنثني ... بيد الصبابة مبيضة أعطافها

فكأن شهب الخيل قد غرقت به ... فطفت على أمواجه أعرافها

فلما انتصف ذلك النهار، ظلمنا ذلك البحر وجار، وكان أمسى مس القرين بعد أن كان نعم الجار، ثم أزبد ورَغَا، وتعدّى وطغى، وعتا مفسداً وبغى، ورام ما لم ينله وبغى، واشتدت به الرياح وعصفت، وأتت به الأمواج من كل جانب واختلفت، واضطرب وتكسّرت وانقصفت، وصار السير به في حكم الحُرْمة بعد

<<  <   >  >>