الإباحة، فألقينا المراسي وقت العصر بوسط الباحة؛ لكي يحصل لنا من تلك الحال الراحة، فما ازداد القلب إلاّ خوفاً وفرقا، والعين إلاّ سُهَاداً وأرقا، والحلق إلاّ غُصةً وشرقا، والفؤاد إلاّ اضطراباً وقلقا، وقد أثارت الريح من الموج حنقا، ومشت عليه خبباً وعنقا، فأعادته كالبنان، وأصارت المركب فوقه يتلاعبُ كقضيب البان، حتى آليت ألاّ أودعها تحية، ولا يورثني هبوبها أريحيَّة.
وبتنا ليلة الأربعاء بين تلك الأمواج، ونحن في غاية الاضطراب والارتجاج، وأقمنا بذلك المحل إلى أن قوضت خيام الليل ورحل، وسَل صارم الفجر من قرابه، وتجلّى النهار في جوهري أهابه، وأسفر من المشرق وجه الشمس يُوح، فجرت بنا السَّفينة في موج كالجبال كجري سفينة نوح. ومما جربنا فيه الفكر في هذا الحال، وجرى به اللسان فنطق وقال، أبيات على وجه المطارحة، وهي لتلك الأحوال شارحة، وفي تلك الميادين سارحة، فقلت بيتاً ثم قال بيتاً إلى آخرها: