للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والأمتعة، وأقمنا هنالك في أنزهِ مكان إلى وقت الصلاة من يوم الجمعة، فصلّيناها في مسجد البلد الجامع، وهو مسجد متسع لكل أهل البلدة جامع، إذ لا جمعة بها في سواه، ولا خطبة فيما عداه، فوجدناه مسجداً عتيقاً فضياً أنيساً أنيقاً، ذا أبنية متينة

وعمارة مكينة، وهو مرتفع في أعلى المدينة، يُصعد إليه ويُرقى في أطول طريق وأرفع مَرقى، وأمّا خطيبه ففي الأسْمَال غاية، وفي الإعجام آية، وفي التبديل والتحريف نهاية، مع ما يضاف إلى ذلك كما قيل من سوء الاعتقاد وتبديل القرآن كالنطق بالظاء مكان الضاد، وذكره أحاديث لا نعرفها، وصدور تُرَّهاتٍ منه لا نقدر نصفها، فقضينا ببطلان تلك الصلاة، وقضيناها ظهراً ولا قوة إلاّ بالله، ولما قضيت الصلاة انتشرنا في أرض تلك البلدة وأضافنا من الأصحاب بها عدّة، فلم نزل نَجْوب في أطرافها، ونجول في أكنافها، ونتفرج في مفترجاتها، ونتنزه في

متنزهاتها، وقد أخذت الأرض زخرفها وازينت، وبيّنت من صنعة الله وصبغته ما بيّنت، فغدت تتبرج في ملابس عبقرية، وتتأرج بأنفاس عنبرية، وتشمخ على غيرها من البلدان بارتفاعها، وتفتخر على مجاوريها بحصانتها وامتناعها، وتزهو بطيب هوائها ومائها، وتسمو بجدّة رونقها وقدم بنائها، وتستحل طيب فواكهها، وتستجل عرائس منازهها (وتقسم بعلو هضابها أن لا تفوز الثريا برشف رضابها) وقد استدار بها البحر استدارة السوار بالزند، وألبس ذلك الجسم حلل العرار والرند، وركب خلائق الوهد على ذلك النجد، وكتب بخضاب الربيع على نقاء ذلك النهد،

<<  <   >  >>