ثم آب الحاج مصطفى من غيبته، وقرب المسافة من أوبته، وحيَّانا بسلامه وتحيته، ثم أعادنا إلى منزله وعَقْوَته، بعد أن عقد في قسمه علينا وأَلِيَّتِه، (فعدنا إليه) وحللنا لديه في تلك الغرفة المذكورة آنفاً، فشاهد منها مشارقاً للإنس ومشارفا، وهو يهدي إلينا من تحف هداياه لطائفا، وقد أحاط بنا من سائر الجهات بستان ذو أفياء وأفنان، (وزهور مدبّجة الألوان)، عرائس مسرحات زاهية، وعرائش كرمات عالية، ذات قطوف دانية، ونسيم معطار، وحفيف أشجار، وتغريد أطيار، من شحرور وهزار، يهيج كل منها لوعة الصب النازح الدار، ويضرم في قلبه من أشواقه لاعج النار، ويطير بقلبه أنّى طار، كما قال في الإنشاد ابن حصن كاتب المعتضد ابن عباد:
وما هَاجني إلاّ ابن وَرْقَاَء هاتفٌ ... على فَننٍ بين الجزيرة والنَّهرِ