ثم ركبنا حين تعوضت الشمس بفيها من ظلها، ودخلنا المدينة على حين غفلة من أهلها، لنخبر وَبْلها من طَلها، وعَلّها من نهلها، وحَزْنها من سهلها، وخَرْجها من دَخْلها، وكُثْرها من قُلَّها، وجِدَّها من هَزْلها، وسَفْسافها من جَزْلها، فوجدناها مدينة قديمة بها بقايا عمارات عظيمة، وآثار مآثر مقيمة، وأزقّة فسيحة وأسواق مليحة، وأكثر أهلها من أكثر أهل الجنة، لولا ما يُنْسب إلى بعضهم من بغضهم السُّنَّة، ودخلنا إلى جامعها الكبير الرحيب، فتلقانا خادمه بالتأهيل والترحيب، وفرش لنا سجادة وعكفنا فيه وقتاً طويلاً على الاعتكاف والعبادة، ثم تكلمنا مع القيّم فوجدناه
لطيف الذات، كامل الأذوات، فسألناه عمّا يقال عن أهل بَعْلَبَك وعن رأس العين فقال: نعم هو حق ليس بالمَيْن، فإنها كانت عينين فأصابتهما وصمة العين، فحضر مغربيّ ملعون الوالدين، فسرق منهما عيناً في قنينة، وذهب بها إلى رأس جبل قرب المدينة، فانكسرت منه وجرت عيناً هناك، ثم حضر مغربيّ آخر، وأهل المدينة بين متأسف وباك، فقال: يا أهل بَعْلَبَك كأنكم بالعين الأخرى وقد اغتالتها يد البين، وأصبحت مدينتكم برأس بلا عينين، ويمكنني أن أقول على هذه العين الباقية عزيمة، فلا تزال بدياركم باقية مقيمة، فجمعوا له مالاً لبُدَا، وازدلفوا إليه حتى كادوا يكونون عليه لِبَدا، فرقى تلك العين ووضع عليها حجراً رَصْدا، فلم تبدْ بعد أبداً وزادت على طول المدا مددا، ورأينا قلعتها الحصينة، وهي ذات أبنية متينة، وأعمدة كثيرة طويلة، وأحجار كبيرة ثقيلة يظن من