وما زلنا بذلك نجتلي أنوار المحاضرة، ونجتني نوَّار المذاكرة، ونلتقط نثير لآلىء الفوائد، وننظم عقود المقاطيع والقصائد، ونرد من العلوم أجلّ المصادر وأعذب الموارد، ونوالي أهل الولا، ونختص بذوي السؤود والعلا، ويتردد إلينا للانتفاع جماعة من الفضلاء، ولنشير إلى ذكر جماعة أيضاً ممن اجتمعنا به أو اجتمع علينا في مدينة قُسْطَنْطِينيّة أم الممالك الرُّوميّة وتخت سَلطنة الممالك الإسلاميّة، وكذلك في الرحلة الأزنكميدية.
فأولهم وأولاهم، وأعلمهم وأعلاهم، الشيخ الأوحد، والإمام الأمجد المعروف بحاجي جلبي (عبد الرحيم بن علي) ابن المؤيد. وقد قدّمنا بعض ترجمته وذكر
محبته وأخوته ومودته، وقد حصل لي منه قبول تام، وكنت عنده بمقام سام، يسمّني بالعالم المُدَقِّق، والعارف المُحَقِّق، وقد استفدتُ منه واستفادَ مني، وأخذتُ عنه وأخذَ عني، واستجزته لولدي أحمد ولمن سَيُحَدِّث لي من الأولاد، ويوجد على مذهب من يرى ذلك، ويسلك هذه المسالك. فممَّا أخذ عني مؤلفي المسمى ب الزّبدة في شرح البردة، وتفسير آية الكرسي، وبحث وتحقيق أوضحته في معنى الكلام النفسي، وقصيدتي القافيَّة القافيَة، التي هي ببعض مناقب شيخ الإسلام وافية، وقصيدتي الخائية المعجمة، وحل بعض طلاسم الكنوز المعظمة، وأنّ كتابه خَلاَّقٌ عَلِيم، وحملها ينفع لدفع الطاعون، وأنّه مجرّب كما رواه لنا الأئمة الواعون، وأنشدته لنفسي:
من رامَ أن يبلغ أقصَى المنى ... في الحشر مع تقصيره في القربْ
فليخلص الحب لمولى الوَرَى ... وَالمصطفى فالمرء مَع من أحبْ