ضاقَتْ فَلَمَّا اسْتحكمتْ حَلقَاتُها ... فُرِجَتْ وكان يظنها لا تُفْرَجُ
فما راعني إلاّ دخول البشير عليَّ بقدومه، ثم اجتلاء طلعته الشريفة مع تسليمه، فتلاقينا بالتحية وتلافينا، وبكينا حتى انكبينا، ووالينا الحمد لله تعالى وأثنينا، وكم من نعمة لله تعالى علينا، فدنا الأنس، وانشرحت النفس، ونُسخ باليوم ما وقع بالأمس، وأخذنا نتفاوض مفاوضة الأصدقاء، ونتحدث عن أخبار ذلك السفر وآثار أولئك الرفقاء، ولا تسل عن حسن هذا الاجتماع وأنس هذا اللقاء:
حديث تخال الروح عند سماعه ... لما هُزّ من أعطافِهِ تترنح
فكان بذلك لنوم عيني سبيل، وعهدي بالنوم عهد طويل، وهو في الحقيقة لم يفارقني بل هو في كل حالة مرافق، وليس تألم القلب لمفارقته له وإنما هو لتألم الأجساد، فإنه وإن نزح عن العين ما برح في الفؤاد، فهو في الحقيقة لم يخرج عن شعار أجداده وهو السواد:
حضرت فكنت في بصري مقيماً ... وغبت فكنت في أقصى فؤادي
وما شطت بنا دارٌ ولكن ... نقلت من السواد إلى السوادِ