منزل، ويحن لأحبابه ولا كالحبيب الأوّل، وأقمت بذلك المنزل وتلك الدار ستة عشر يوماً لا يقرّ لي من البعاد قرار، ولا أجد جلداً ولا أطيق اصطبارا، ولا أطعم النوم إلاّ غرارا، وقد وهيت من فراق على فراق بداهية دهيا، وبقيت لا ميتاً مع الأموات ولا حيّاً مع الأحياء، وكلما تمثّلت لتلك المعاهد، وسألت عن تلك الموارد، لا أجدها إلاّ صماً عميا، فلم أزل أتطارح في تلك المنازل، وأتجرع غصص المنايا من خطب البين النازل:
وأنتسم نواسم تلك المعالم ... فيفوح لي كالعنبر المتنفس
وقد تزايد الشوق وربا، وزاد القلب هُمُوماً وكربا، وأثار فيه حربا زبوناً وحَرَبا، وتطايرت من نيران القلوب زفراته شرراً ولهبا، واعتلت من محاني الضلوع على الربا، وبلغ سيل العيون من محاجرها الزُبا، وكلَّ حُسَام الصبر ونبا، وعثر جواد الاحتمال وكبا، وأنا مع كل ذلك أستخبر عن أخبار ذلك الحبيب ولا خبر ولا نبأ، وقد طال الليل وأظلم واحلولك ولا نوم، وشابهه في نعته ما بعده من اليوم:
فلم أرَ أُنساً قَبلَهُ عادَ وَحشَةً ... وبَرداً على الأحشاء عادَ غَليلا