للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حَلَّ هو دون العضو، فاستملا ذلك الجواب وكتبه، وابتهج به وأطربه، وسُرَّ به وأعجبه.

ثم أقمنا بتلك البلدة ذلك اليوم ليلة السبت مستهلّ شهر ذي القعدة إلى أن حان أول وقت الصوم، فلما نشر الصبح راياته وحيعل الدّاعي إلى صلاته أجبناه مثوبين، ثم ترّحلنا مؤنبين، ولم نزل نتابع السير ونواصِل، إلى أن مال المعتدل واعتدلَ المائل، (ولم نزل نحثّ في الرحيل، ونصل المساء بالصباح والغدو بالأصيل) فكان بلوغ الغاي في قرية عظيمة تعرف بالشاي حين هَرِمَ النهار وشاخ، وسكن حره وباخ، وقد أعيى الركب وباخ، فنزلنا بها بمرج أفيح، فيه للعيون مسرح، وللنواظر مسنح، وظل دوحات نتفيأ منها الظلال، عن اليمين تارة وأخرى عن الشمال، فبتنا به والزهر أنضر من الندى، في ظل أخضر بارد الأنداء:

والليل يخفي نفسه في نفسه ... والصبح كشاف كل غطاءِ

وكأنما الإصباح تنثر مهرقا ... أثر المداد به من الأمساءِ

فما صحت العيون من نشوة رقادها، إلاّ لتغريد الطيور في أعوادها، فبادرنا لأداء الفرض مسارعين فما منّا إلاّ متوضٍ أو مصل.

ثم رحلنا قاصدين قرية نسق لي، فوصلناها حين تضاحى النهار، وتصاحى بعد الإسكار، وتهلل وجهه واستنار، فما استقرّ بنا القرار، ولا ضمتنا أطراف تلك الدار

<<  <   >  >>