للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بُدّاً من الرحيل، واحتساب الصبر الجميل، فلمّا تعالى النهار وتصاحى، وتلألأ وجهه وتضاحى، نزلنا بشاطىء نهر يقال له سارسينا، قد فاق بعذوبته وخصره على مياه تلك البلدان وأربى:

وعليه الشمس قد ... ألقت شعاعاً كاللهب

شبه مس أخضر ... عليه حلى من ذهب

فنزلت في فنائه كي أزيح العلة، وأنفع ببرده الغُّلَة، فتضاعف حر الحُمَّى ولم يبرده ذلك الماء، ثم لم نجد بدّاً من الجدّ في المسير، وإن اجتمع هجير الحُمَّى والهجير، ولم نزل (نواصل السير ليلاً ونهاراً، ونتابع السُرَى إظلاماً وأقماراً)، ونجوب تلك الفيافي والقفار، أناء الليل وأطراف النهار، وكلّما تذكرت البلاد انقلب العذاب عذباً أو الأهل والأولاد وجدت سهلاً ما كان صعبا، وقد اشتدّ التعب والعناء، وتحكّم الألم والضنى، وكاد أن يستولي على الهيكل الفناء:

ولذّة جسمي بذاك الضَّنى ... ورَاحة قلبي ذاك الألمْ

ومدة هذا الهُيَام ثلاثة من الأيام إلى أن أدّت بنا الرحلة إلى البلدة المعروفة

<<  <   >  >>