بأرْكلي وتسّمى بِهرَقْلَة، وكان حلولنا بتلك البلدة يوم الاثنين عاشر ذي القعدة، وقد تضاعف السقم وترادف الألم، واشتدّ بي المرض، وغيَّر جوهر الجسم ذلك العرض، وعجزت عن الحركة والانتقال والتحوّل والارتحال مدّة ثلاث ليال، وأنا أتلهب من شدّة البعاد، وأتلهف وأتشوق إلى معاهد البلاد، وأتأسف وأتمثل بقول العبّاس بن الأحنف:
يا بَعيدَ الدَّارِ عن وَطَنِهْ ... مُفَرداً يَبكي على شَجَنِهْ
كلَّما جَدَّ الرَّحيلُ بِهِ ... زادَت الأسْقَامُ في بَدَنِهْ
ولقد زادَ الفؤادَ شجاً ... طائرٌ يبكي على فَنَنِهْ
شَفَّهُ ما شَفّني فبكى ... كلُّنا يَبكي على سَكَنِهْ
فحين طال المطال، واشتدّ ذلك الحال، لم نجد بدّاً من اكْتَرَاء جمال ومن شراء مَحْمل يحملنا، فحين تمّ الأمر وكمل، وحضر المحمل والجمل، وامتطينا مطاه وشرع في خُطاه، بل في خَطاه، ثم خرجنا من تلك البلدة وذلك يوم الأربعاء ثاني عشر القعدة، فلم يلبث ذلك الجمل المذكور حتى مرَّ على بعض ما على تلك الأنهار من