الجسور، فزلّت إحدى رجليه أو يديه، فسقط في النهر هو ومن عليه، فكان ذلك من أنْكَأ القَرْح، ومن الكي أثر الجرح، ولم يسعنا غير الصبر والاحتساب، والتبدّل بجميع الأثواب، ثم نزلنا تلك الليلة ببعض قُرَاها واستعملنا ما كنّا استصحبنا من قراها، ثم أصلحنا الأحوال، وعزمنا على الترحال، عندما غاص نَهْرُ المجرَّة، وهتمت أسنان الكواكب المفترّة، وضحك وَجْهُ الشرق بعد التعبيس، فأسفر عن ثالث عشرين الشهر يوم الخميس، وسرنا مجتهدين وأسرعنا مجدّين إلى أن نزلنا بقرية تعرف بشجاع الدِّين، ثم رحلنا منه وقت الإظهار، وانتصاف ذلك النهار، ولم نزل نقطع أديم الفلا ونَفْري، حتى أنخنا بالقرب من آق كبري، والعشية تخور بدمانها، وذُكاء تتسخط بدمائها، فبتنا بذلك المكان بالقرب من النهر ليلة الجمعة رابع عشرين الشهر إلى أن أنشد لسان الحال قول من قال:
لم نرَ الليلَ حيث رقَّ دُجاهُ ... وبدا طيلسانه يَنْجَابُ
وكأنَّ الصباحَ في الأفْقِ بَازٌ ... والدجى بين مخلبيه غرابُ
وكأن السماء لجة بحرٍ ... وكأن النجوم فيها حُبَابُ
وقد تشوقت الأبصار لسفور الأسفار، فحين أسفر النهار واستراحت أعين النظّار من ألم الانتظار، أخذنا في المسير بعد التحميل، وجمعنا بين طرفي البكر والأصيل، وغالب سيرنا ذلك النهار في مروج وأنهار، وعيون جارية، وأشجار
سامية، وجبال عالية، إلى أن وضعنا الرحال ليلة السبت بمرج أفيح حسن النبت، بالقرب من