فلمّا لاح ابن ذُكّاء والتحف الجوّ بالضياء هبّ علينا نسيم تلك الديار، وقابلنا وجهها بالاستبشار، فطار القلب كل مطار، وجادت العين بالدمع المدرار، وأنشدت في تلك الأقطار والدمع يستوقف القُطَار:
أهدت أرج الرجاء بعد اليأس ... ما أحسن بعد وحشتي إيناسي
وما برحنا نلتحف من تلك البقاع برودا، ونقابل من هضابها نهودا، ومن رباها أعيناً وخدودا، ونلتمس منها معاهد وعهودا، وقد برز إلى الملتقى سائر الأصحاب والأصدقاء، ولم يزالوا يتواردون إليّ، ويطيلون التسليم عليَّ، وقد استطارت صدوع كبدي من الحنين إلى ولدي، فلم يكن بأسرع من إقبال المبشر بقدومه، ثمّ اجتلاء طلعته مع تسليمه، فأرسلت الدموع تترى، وحمدت الله تعالى شكرا، وأنشدت لبعضهم شعرا:
عينيّ دمعت مسرةً بالجمع ... قالوا مهلاً ما في البكاء من نفعِ
دع عينك تستغنم منهم نظراً ... ماذا زمن تشغلها بالدّمعِ