يخصب بها روض الحياة، وتسحب ذيل صفائها على صفاء ذلك المحل وحصاة، كما قيل:
وضاحيةٍ وردْتُ بها غديراً ... يقدَّر من صفاءِ الماءِ أرضا
كأن الوحشَ حين تغبُّ فيه ... يقبّلُ بعضَها للشّوقِ بعضا
فأقمنا به بقية يوم الأحد، ثم ليلة الاثنين بالكمال، ثم عزمنا وجه الصبح المسفر عن سابع عشر شوال، على الترحل والانتقال، والتحول والارتحال، فلم نزل نجوب في فياف ومهامة، ونجول بين أنهار ومنازه، ورياض قد تولاها الولي، ووسمها الوسمي، وجمشتها نسمات الرياح، وأظلتها رايات الصباح، وغازلت كواكب الفجر عيون نرجسها الوقاح، وباكرت الصبا تقبيل ثنايا نورها:
من قبلِ أن ترشُفَ شمسُ الضحى ... ريقَ الفؤادِ من ثغورِ الأقاحِ
إلى أن نزلنا بمرج متسع الساحة، كبير المساحة، مرتع النواظر، ومتنفس الخواطر، تسفر كل ناحية منه عن خد روض أزهر، وعذار نبت أخضر، وتبسم عن ثغر حَباب في نهر كالحُباب، وترفل من الربيع في ملابس سندسيات، وتهدي نوافح مسكيات، وتزهى من بهجتها بأحسن منظر، وتتيه بجلباب أينع من برد الشباب وأنضر، فقيّلنا به ذلك النهار، ونقعنا الغُلَّة من الماء البارد، ونفعنا العلة من النسيم المعطار، ولم نزل نسير بين تلك الأزهار والأنهار، في العشايا والأبكار، حتى