وصلنا ضحوة الأربعاء تاسع عشر الشهر للمدينة البيضاء، وهي التي تسمى عندهم بآق شَهْر، وهي مدينة لطيفة، حسنة ظريفة، من أنزه المدن القرمانيّة وهي آخرها، وألطف البلاد العثمانيّة وأخيرها، مبيضة كسقيط الثلج، مصطفة كبيوت الشطرنج، ذات مياه خصرة، وبساتين خضرة عظيمة المنازه، كثيرة الغلات والفواكه، يجلب منها الفاكهة إلى ما يحاذيها من البلاد الرُّوميّة حتى إلى المدينة العظمى القُسْطَنْطِينيّة، ويخترق أرجائها نهر سلسال، كدمع المهجور إذا سال:
يُظَنُّ به ذوبُ اللُّجينِ فإن بَدَتْ ... له الشمسُ أجرت فوقَهُ ذوبَ عَسْجَدِ
وبها أسواق معمورة، بالخيرات الموفورة مغمورة، ومساجد عظيمة، وحمّامات
قديمة، وعمارة بظاهرها بها مسجد للجمعة معظم، منسوبة لحسين باشا الوزير الأعظم، وتكيّة ينزلها المسافرون، ويحلّها المتفقهون القاطنون، وليس لها سور ولا حصار معمور، وهي من أرخا هذه البلاد لسعة رزقها ونزرة خلقها وكثرة مغلها وقلّة أهلها وكثافة غيطانها وخفة قطانها، وبها على دون مرحلة بركة كبيرة بها، بعض مراكب صغيرة، يُصَاد بها منها السمك الكبار والصغار، ويُجْلب إلى ما حولها من الأقطار، فنزلنا بها بمصلى العيد، وهو منزل بديع غير بعيد، قد راق فيه الماء، ورقّ