به الهواء، وسفر له الدهر عن محياه، وتبسّم له الزهر وحيّاه، وأحدقت به البساتين أحداق الهالة بالقمر، والأكمام بالزهر، وامتدت له بطحته الخضراء امتداد البصر، وبالقرب من هذه المحلة والمنزلة، مقام خجا ناصر الدِّين المشهور عندهم بالولاية والوله، وله عندهم حكايات مضحكة تدل على التغفل والبله، نظير ما يحكى عن مصحفة جُحَا، وكلاهما من المغفلين الصلحاء، فأقمنا بها إلى وسط النهار، ووقت الزوال والإظهار، ثم أخذنا نجوب ونجول في وهاد وتلول، ووعر وسهول، وفياف وقفار، وربيع وأزهار، ولم نزل نسري ونسير ليلاً ونهاراً، ونجدب بالنجب الفيافي أصالاً وأسحاراً، وتغيب عنّا الشموس والأقمار فنتخذ من المشاعل والفوانيس شموساً وأقماراً، إلى أن وصلنا إلى مدينة قَرَا حِصَار يوم الجمعة حادي عشر الشهر وقت الإبكار، وقد نشر علم الشمس الأصفر، وتخلق الكون بردعها المُعَصْفَر، وأشرق وجهها الأشقر في الآفاق وأسفر، وهي مدينة مستظرفة بين جبال مستلطفة، وعلى جبل صغير عال في وسطها قلعة منيعة، بديعة رفيعة، أمينة حصينة، علية مكينة، سمية متينة، سوداء الحجارة وبها تسمّت
المدينة، وعلى هذه المدينة بساتين كثيرة ومياه غزيرة، وبظاهرها مرج أريج، ذو نبت بهيج، فسيح الرحاب، رحب الجناب، كثيرة الكلأ والعشب، زائد الري