المكان المركب على العين صبيحة رابع عشرين الشهر، وهو يوم الاثنين في وهاد وتلال، وحجارة ورمال، وغياض وأشجار، ومياه كالأنهار، ودَرْبَنْدَات هنالك وعرة المسالك بعيدة المدارك، كثيرة الهبوط والصعود، والتهائم والنجود، والغبار يكحل بإثمدة الأبصار، فيكاد أن يفقدها حاسة الإبصار، ويدخل في الخياشيم، فيحول بينها وبين روح النسيم، ويكسو الأجساد ثياباً لم تعن فيها يد خياط، ولم يلج فيها سم الخياط، حتى يدع البياض سواداً، ويدر على الملونات من قتامة رماداً، فلم نزل نحثّ مطايا السير والسرى، ونُريق من كاسات العيون طلا الكرى، ونحن كما قال بديع الزمان، وعلامَّة هَمَدَان:
كأنا على أرجوحةٍ في مَسيرنا ... لِغَورٍ بنا تَهْوي ونَجدٍ بنا تَعْلو
كأنَّ ينابيعَ الثرى ثديُ مرضِعٍ ... وفي حِجْرها منِّي ومن ناقتي طِفْلُ
حتى وصلنا إلى مدينة ينكي شَهْر، يوم الثلاثاء خامس عشرين الشهر، وهي بلدة نضيرة لطيفة صغيرة، جميلة المنظر، جليلة المخبر، ذات أسواق موفورة، ومساجد معمورة، وخارجها نهر كبير، ذو ماءٍ كثير، عذب زلال نمير، خضناه وقطعناه، وركبناه وما رهبناه، واستصحبناه وما استصعبناه، وهو يلتوي تحتنا