فلم نزل في حط وترحال، ووَخْد وإرْقَال، إلى أن وصلنا إلى محلة ابن أوكي وقت الضحى العال، من يوم الأحد ثالث عشرين شوال، وهو مرج كبير ذو عشب كثير، قد بسط الغيث به بساطاً أخضر، بحيث لا يكاد شيء من سواد أرضه يُرى، وبجانبه قلعة لطيفة منقورة في جبل عالية الموضع سامية المكان مرتفعة المحل، وهو معد لرعي الخيول السُّلطانية وتربيتها وإصلاح شأنها وتنميتها، وبأسفله اصطبلات برسم تلك الخيل تُصان بها وتأوي إليها في الليل، ثم رحلنا وقت الظهيرة من تلك المحلَّة المذكورة، ولم نزل نسير وقد جَدَّ المسير، وحمى الهجير، وكاد أن يبلغ الغبار الكثير الفلك الأثير، فلما تضمخ جيب الأصيل بالعبير، وسقطت الشمس من الغرب على خبير، بعد أن عراها من خوف هول ذلك الحال اصفرار، وأعقبت من شفقها في الأفاق لون الاحمرار، وصلنا حينئذ إلى محلة أرمني بازار، وهي قصبة حسنة العمارة، بها مسجد لطيف ومنارة، فنزلنا بظاهرها منزلاً تشتهيه الأنفس وتلتذه الأعين، وتسبح من حسنه الأفواه والألسن، فسيح الأرجاء، واسع الأنحاء، صحيح الهواء، به أعين زائدة الخصر والعذوبة، فوق الغاية المطلوبة والحالة المرغوبة، وبتنا في مقعد هناك معظم عال، مركب
على عين تجري بماء عذب زلال، فلما ابتسم ثغر الأفق بعد الوجوم، وفاض نهر المجرة على حصباء النجوم، نبهنا أيدي المطي عن سنة السكون، وحركنا منها ما كان مبنياً على السكون، ورحلنا من ذلك