للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال، وهو يريد أبا القاسم وكافورا: أنتما إذا اتفقت مذاهبكما، والتأمت أموركما، كالجسم والروح، اللذين بالتآمهما تكون الحياة والصحة، وباصطحابهما تحرز السلامة والقوة، فلا احتجتما إلى العواد، الذين إنما يعتادون من شكا العلة، ويفتقدون من عدم الصحة. وأشار بهذه العبارة إلى ما رغبه لهما من حسن المؤالفة، واطراح ما حذره عليهما من الاختلاف والمنافرة.

ثم قال: وإذا كانت أنابيب الرماح مختلفة غير متفقة، ومتظافرة غير ملتئمة، طاشت صدورها في الحرب، وقصرت عند ما تستعمل فيه من الطعن، وكذلك يقول لكافور وأبي القاسم بن الإخشيد: وإن اختلفت اراؤكما، وتنافرت اهواؤكما، أخل ذلك بهيبتكما، وعاد بالفساد على دولتكما. وهذا البيت جمع [وجهين]؛ انه مثل سائر، وعجيب من الإشارة نادر، وكلا الوجهين مقدم في بديع الكلام.

أَشْمَتَ الخُلْغ_فُ بالشُّرَاةِ عِدَاهَا ... وَشَفَى رَبَّ فَارِسٍ مِنْ إِيَادِ

وَتَوَلَّى بَنِي اليَزِيْديَّ بالبَصْ ... - رَةِ حَتَّى تَمَزَّقوا في البِلادِ

وَمُلُوكَاً كَأَمْسٍ في القُرْبِ مِنَّا ... وكَطَسْمٍ وأُخْتِها في البِعَادِ

الخلف: الاختلاف، والشراة: الخوارج، ورب فارس: كسرى ملكهم، ومن ملك شيئا فهو ربه، وإياد بن نزار: أخو مضر وربيعة ابني نزار بن معد، وكان ولده قد كثر عددهم، وقوي أمرهم، واشتدت على الفرس شوكتهم، ثم اختلف ما بينهم، وقاتلتهم الفرس فظهروا عليهم، وأفنوا عددهم، وبنو اليزيدي: كتاب وثبوا بالبصرة في خلافة المقتدر، فعظم شأنهم، وفخم أمرهم، وكانوا اخوة ثلاثة، ثم شجر ما بينهم فقتل أكبرهم أوسطهم، فكان ذلك سببا لانتقاض أمرهم، وتلف جميعهم، وطسم وأختها جديس: قبيلتان من العرب العاربة، هلكتا في قديم الدهر بحروب جرت بينهم.

فيقول لكافور ولأبي القاسم بن الإخشيد، مرغبا في الائتلاف، ومحذرا من عواقب

<<  <  ج: ص:  >  >>