يقول: أغالب فيك الشوق بمحاولة ستره، وأدافعه بالاحتيال على كتمه، فيقوى علي ويغلب، ويستبين في ويظهر، وكذلك الحب لا تخفى شواهده، والشوق لا تستتر دلائله، وأعجب من ذا الهجر واتفاقه لي، ومن هذا الاجتناب واغترائه بي، وما أبغيه من الوصل أبعد وأعجب، وأقل وأغرب؛ لأن سبيل المحبوب أن يضن بوصله، وسبيل المحب أن يمتحن بهجره، هذا هو المشهور الذي لا ينكر، والمعهود الذي [لا] يدفع.
ثم قال: أما تغلط الأيام فتسعدني في البدرة، ويغفل عني وتسعدني في الفلتة، فيبعد مني البغيض، وتريحني ببعده، وتمكن لي الحبيب وتؤنسني بقربه. يشير إلى أن الأيام مغترية بمنافرته، وأن أحكامها جارية على مخالفته.
وَللِهِ سَيْرِي ما أَقَلَّ تَئِيَّةً ... عَشِيَّةَ شَرْقِيَّ الحَدَالِي وغُرَّبُ
عَشِيَّةَ أَحْفَى النَّاسِ بي مَنْ جَفَوْنُهُ ... وأَهْدَى الطَّرِيْقَيْنِ الذي أَتَجَنَّبُ
فيقول على سبيل التعجب من سرعة سيره، والإخبار عن حقيقة أمره: ولله السير الذي سرته، والاستعجال الذي تكلفته، عشية كان مني الحدالي وغرب؛ هذان الموضعان في جهة المشرق، وأنا أنفذ ما أقصد له، ولا أعرج على من أكلف به. وأشار إلى رحيله عن سيف الدولة نحو كافور، وما حذره من الطلب، وما تكلفه من الإسراع والعجل.
ثم قال: عشية أحفى الناس بي، وأشدهم إشفاقا علي من جفوته من أحبتي الذين