تركتهم، ومن تخلفته من آلائي الذين فارقتهم، وأهدى الطريقين إلى ما أقصده، وأقربهما فيما أريده واعتمده، الطريق الذي أتجنبه وأتركه. وثنى الطريقين مشيرا إلى الطريق الذي ركبه، والطريق الذي تجنبه، ودل على أنه خرج فارا بنفسه، وأخفى طريقه الذي سلك بمبلغ جهده.
وَقَاكَ رَدَىَ الأَعْدَاءِ تَسْرِي عَلَيْهِمُ ... وَزَارَكَ فيه ذو الدَّلالِ المُحَجَّبُ
المانوية: أصحاب مان الثنوي، وهم الذين يقولون إن الأشياء كلها من النور والظلمة، فالخير كله من النور، والشر كله من الظلمة، وردى الأعداء: الهلاك على أيديهم، والسرى: سير الليل، والدلال: الثقة بقبول العاشق وإظهار التحكم عليه.
فيقول مشيرا إلى ما عاناه من التستر في رحلته، وما حاوله من تكلف سير الليل في وجهته: وكم لظلام الليل عندك؛ يخاطب نفسه، من يد مشكورة لا تكفر، ونعمة مشهورة لا تنكر، تخبر أن أصحاب مان، الذين يقولون إن الشر كله من الظلمة، يكذبون في قولهم، ويفرطون في إفكهم.
ثم قال: وقاك ظلام الليل ردى أعدائك في سراك عليهم، وأيدك فيما استعملته من الاحتيال فيهم، وأظفرك في سالف أمرك بمن أحببته، فزارك مسعدا بوصله، وأسعدك على ما كنت تلتمسه من قربه، ولولا الليل لما أمكنك ذلك، فنعم الليل عليك كثيرة؛ لأنه أنجاك مرارا، وقرب لك ما تبتغيه وترغبه، وكل هذا يشهد بأن مانيا وأصحابه يخطئون في قولهم، ويدفعون المشاهدة برأيهم.