للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكمون: الاستتار، وأيان: كلمة تستعمل بمعنى الاستفهام عن الوقت، والإهاب: الجلد، والرحيب: الواسع

فيقول واصفا لحاله، بعدما قدمه من ذكر سراه في ليله، وهو يشير بذلك إلى جملة ما كان عليه مدة رحلته، من الوجل وشدة الحذر: ويوم كليل العاشقين في استطالتي لمدته، وحرصي على انصرام جملته، كمنته احتمالا على الحزم الذي كنت أؤثره، وتوقعا للطلب الذي كنت أحذره، أراقب الشمس مستبطئا لغروبها، وألاحظها متمنيا لمغيبها.

ثم قال: وعيني إلى أذن الفرس الذي كنت أركبه، ألحظهما متأملا لهما، مقتديا بهما. والفرس يضرب به المثل في صدق حسه، ونفاذ سمعه، وأذناه بتحديده لهما يشهدان بما يشير إليه، ويخبران عما يشرف عليه.

ثم ذكر أن ذلك الفرس كان أغر أدهم، فصرح بغرته، وأشار بتشبيهه له بالليل إلى دهمته، فأبدع في الإشارة، وبلغ الغاية في حسن العبارة.

ثم قال دالا على عتق هذا الفرس: له فضله من إهابه عن جسمه، وتمام لا يخفى من خلقه، فتلك الفضلة تجيء على صدره وتذهب، وتجول لرخاوتها وتضطرب، والفرس إذا كان كذلك سمي رخو اللبان، ودلت هذه الصفة على سرعة جريه، وتمكن عتقه.

شَقَفْتُ بِهِ الظَّلْمَاَء أُدْنِي عِنَانَهِ ... فَيَطْغَى وَأُرْخِيْهِ مِراراً فَيَلْعَبُ

وَأَصْرَعُ أَيَّ الوَحْشِ قَفَّيْتُهُ بِهِ ... وَأَنْزِلُ عَنْهُ مِثْلَهُ حِيْنَ أَرْكَبُ

قفيت الشيء: إذا تلوته متتبعا له.

فيقول: شققت بهذا الفرس الظلماء واثقا بعتقه، مطمئنا إلى سرعة جريه، أدني عنانه فيطغى بعزة نفسه، وأرتخيه فيلعب مستعملا للمرح في مشيه.

ثم قال: وأصرع ما قفيت به من الوحش، لما هذا الفرس عليه من السرعة،

<<  <  ج: ص:  >  >>