واقتدر على ذلك بما اجتمع فيه من الكرم والقوة، وأنزل عنه والبهر لا يلحقه، والكلال لا يدركه، على مثل حاله عند ركوبي له، قد بلغ ما طلبه بعفوه، واستظهر على ذلك بأيسر سعيه.
وما الخَيْلُ إِلاَّ كالصَّدِيْقِ قَلِيْلَةٌ ... وإِنْ كَثُرَتْ في عَيْنِ مَنْ لا يُجَرَّبُ
فيقول: وما الخيل في كثرة عدتها، وقلة ما بقي بما يراد من خبرتها، إلا كالصديق الذي ينتحل لك اسمه أكثر من تأتي عليه معرفتك، ومن تتصل به مشاهدتك، فإذا طالبت حقيقة هذا الاسم، ومن يتقلده، واقفا عند شروطه، صار بيدك عدما لا تدركه، وعزيزا لا تكاد تلحقه. فأشار إلى أن العتيق من الخيل قليل بالجملة، كما أن الصديق من الناس عدم عند الخبرة.
ثم أكد ما قدمه، فقال: إذا لم تشاهد من الخيل غير حسن شياتها وأعضائها، ومناظرها وأجسامها، فحسنها مغيب عنك، وما تراه له بعيد منك، وإنما حسن الخيل في كرم خبرتها، وتأتيها للفرسان وسرعتها.
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَقُولُ قَصِيْدَةً ... فَلاَ أَشْتَكِي فيها ولا أَتَعَتَّبُ
لَحا: بمعنى أبعد، وذي: اسم مبهم يشار به إلى المؤنث، كما يشار به إلى المذكر، والمناخ: موضع النزول، والهم والهمة: ما رمى إليه الإنسان بأمله، والقصيدة من الشعر: معروفة، والتعتب: التسخط.
فيقول: لحا الله هذه الدنيا منزلا لراكب يقطع فيها مسافة عمره، ويتقلب بين خطوبها فيما يحاول من أمره، فما تزال غادرة بأهلها، جائزة في حكمها، تعذب البعيد الهمة بقلة الاستعداد له، وتؤمله لشدة الاغترار به.