واتصل به أن قوما نعوه في مجلس سيف الدولة، فقال ولم ينشدها كافورا:
بِمَّ التَّعَلُّلُ؟ لا أَهْلٌ ولا وَطَنُ ... ولاَ نَدِيْمٌ، ولا كَأسٌ، ولا سَكَنُ
أْرِيْدُ مِنْ زَمَني ذا أَنْ يُبَلَّغَنِي ... مَا لَيسَ يَبْلُغُهُ في نَفْسِهِ الزَّمَنُ
التعلل: التشاغل، والوطن: موضع الاستقرار والإقامة، والنديم: خليط الرجل الذي يكون محادثه ومشاربه، والكأس: القدح وما فيه من الشراب، وقد يكون القدح خاصة، روى ذلك يعقوب، والسكن: الإلف الذي يسكن إليه.
فيقول مخاطبا لنفسه، ومظهرا للتوجع من حاله: على أي أمر تقبل وتعول، وبأي شيء تشتغل وتتعلل؟! وأنت بعيد الأهل والوطن، ممتنع من النديم والكأس والسكن، غريب بين قوم لا تشاكلهم، منقطع عن معارفك الذين كنت تألفهم، تؤمل من المطالب ما يصعب امره، وتحاول منها ما لا يعرف مثله. وأشار إلى مطل كافور له بالولاية التي ذكرها، وتغافله عنه في الرتبة التي رجاها وأملها.
ثم قال مشيرا إلى تعذر الزمان في تأخير ما طلبه، ويسقط الملامة عنه في امتناع ما رغبه؛ لجلالة ذلك في نفسه، وما عهد به من قلة إسعاد الزمان على مثله: أريد من زمني هذا أن يبلغني ما أحاوله، ويظفرني فيما أطالبه، بما لا يسمح الزمان به لنفسه، ولا يبلغه مع استعماله لغاية وسعه، فكيف يظهرني على ما يمكنه، ويبلغني إلى ما يدركه؟ وأشار بهذا إلى ارتفاع ما طلب، وجلالة ما حاول ورغب.
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إِلاَّ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ ... ما دامَ يَصْحَبُ فِيْهِ رُوحَكَ البَدَنُ
فما يُدِيْمُ سُرورٌ ما سُرِرْتُ بِهِ ... ولا يَرُدُّ عَلَيْكَ الفائِتَ الحَزَنُ
الاكتراث: الاهتمام.
فيقول مخاطبا لنفسه، ومظهرا لقلة الأسف، وصابرا غير متوجع: ما دامت الحياة متفقة لك، وأسبابها متصلة بك، فحوادث الدهر لا تمطل، وعوارضه لا تغفل، ومن لم يجعل الصبر جنته، والجلد على صروف الدهر عدته، لم يسلك سبيل رشده، ولا أحسن النظر لنفسه.