للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السفن ما تجري الرياح بغيره، وتتمنى النفوس ما تنفذ الأقدار بضده، وكذلك أنتم في تربصكم بي، وما تستعجلون من المكروه. وأخبر عن السفن وهو يريد أهلها، كما قال عز وجل: (واسئل القرية) وهو يريد أهلها.

رَاَيْتُكُمْ لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكُمُ ... ولا يَدِرُّ عَلى مَرْعَاكُمُ اللَّبَنُ

جَزَاءُ كُلَّ قَرِيْبٍ مِنْكُمُ مَلَلٌ ... وَحَظُّ كُلَّ مُحِبًّ مِنْكُمُ ضَغَنُ

وَتَغْضَبُونَ عَلَى مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ ... حَتَّى يُعَاقِبَهُ التَّنْغيصُ والمِنَنُ

در اللبن: إذا كثر، والضغن: الحقد، والرفد: العطاء.

فيقول لسيف الدولة: رأيتكم تضيعون جاركم ولا تصونون عرضه، وتهينونه ولا تريدون بره، ورأيت عطاءكم لا تمنى به نعمة، وإحسانكم لا تنتقل به إلى الصلاح حالة، وكنى بقوله: ولا يدر على مرعاكم اللبن عن هذه العبارة؛ لأن المرعى قوة الماشية، واللبن فائدته، والدرور مادته.

ثم قال: جزاء من استقريتموه الملل منكم، وحظ من استخلصتموه الاضطغان عندكم، فليس يخلص أحد من تعتبكم، ولا يبعد عن كراهتكم وتسخطكم.

ثم قال: ويغضبكم الذي ينال رفدكم، ويسخطكم بما يناله من فضلكم، حتى يعاقب ذلك التنغيص والكدر، ويتلوه الامتنان والضجر، فليس تسلم لكم عند أحد نعمة، ولا ترتفع بكم لمؤمل رتبة.

فَغَادَرَ الهَجْرُ ما بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ ... يَهْمَاَء تَكْذِبُ فيهِ العَيْنُ والأذُنُ

تَحْبُو الرَّواسِمُ مِنْ بَعْدِ الرَّسيم بها ... وَتَسْأَلُ الأَرضَ عَنْ أَخْفَافِها الثَّفِنُ

مغادرة الشيء: تركه، والهجر، القطيعة، واليهماء: المفازة البعيدة، وتحبو: تزحف في مشيها لشدة إعيائها، والرواسم: الإبل التي تستعمل الرسيم في مشيها، وهو ضرب من السير، والأخفاف للإبل كالحوافر للدابة، وهي الفراسن، واحدها فرسن، والثفن: ما يقع من الإبل على الأرض عند بروكها.

<<  <  ج: ص:  >  >>