السفن ما تجري الرياح بغيره، وتتمنى النفوس ما تنفذ الأقدار بضده، وكذلك أنتم في تربصكم بي، وما تستعجلون من المكروه. وأخبر عن السفن وهو يريد أهلها، كما قال عز وجل:(واسئل القرية) وهو يريد أهلها.
رَاَيْتُكُمْ لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكُمُ ... ولا يَدِرُّ عَلى مَرْعَاكُمُ اللَّبَنُ
فيقول لسيف الدولة: رأيتكم تضيعون جاركم ولا تصونون عرضه، وتهينونه ولا تريدون بره، ورأيت عطاءكم لا تمنى به نعمة، وإحسانكم لا تنتقل به إلى الصلاح حالة، وكنى بقوله: ولا يدر على مرعاكم اللبن عن هذه العبارة؛ لأن المرعى قوة الماشية، واللبن فائدته، والدرور مادته.
ثم قال: جزاء من استقريتموه الملل منكم، وحظ من استخلصتموه الاضطغان عندكم، فليس يخلص أحد من تعتبكم، ولا يبعد عن كراهتكم وتسخطكم.
ثم قال: ويغضبكم الذي ينال رفدكم، ويسخطكم بما يناله من فضلكم، حتى يعاقب ذلك التنغيص والكدر، ويتلوه الامتنان والضجر، فليس تسلم لكم عند أحد نعمة، ولا ترتفع بكم لمؤمل رتبة.
مغادرة الشيء: تركه، والهجر، القطيعة، واليهماء: المفازة البعيدة، وتحبو: تزحف في مشيها لشدة إعيائها، والرواسم: الإبل التي تستعمل الرسيم في مشيها، وهو ضرب من السير، والأخفاف للإبل كالحوافر للدابة، وهي الفراسن، واحدها فرسن، والثفن: ما يقع من الإبل على الأرض عند بروكها.