للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بتلك الطوائل، فخذله عند حاجته إليه، وأسلمه مع اعتماده عليه.

فَإِنْ يَكُ إِنْسَانَاً مَضَى لِسَبِيْلِهِ ... فَإِنَّ المَنَايا غَايَةُ الحَيَوانِ

وَمَا كَانَ إِلاَّ النَّارَ في كُلَّ مَوْضِعٍ ... يُثِيْرُ غُبَارَاً في مَكانِ دُخانِ

فَنَالَ حَياةً يَشْتَهِيْهَا عَدُوُّهُ ... وَمَوْتاً يُشَهَّي المَوْتَ كُلَّ حَبَانِ

يقول كالمتأسف على شبيب فيما أدركه من الخذلان؛ لمخالفته الأستاذ كافورا مع أسلف إليه من نعمته، وأظهره من إكرامه ورفعته، ولم يمنع أبا الطيب ما استجازه شبيب من معصية كافور، من أن يقول عنده بما خبره من فضله، وجربه من شجاعة نفسه، إيثارا للإنصاف، واحتمالا على حسن الاعتراف، فقال: فإن يك شبيب إنسانا أدركه يومه، وأحاط به حينه، فتتقحم فيما أفضى به إلى الهلكة، وسلبه رفيع المنزلة، فإن المنية التي صار إليها غاية كل حي، لا محيص عنها، ولا مفر لأحد منها.

ثم قال: وما كان شبيب في شجاعة نفسه، وضرامته وبطشه، إلا كالنار التي تتلف ما واجهها، وتهلك ما عارضها، وكان يستدل عليه في غاراته، بما تثير خيوله من الغبار، كما يستدل على النار بما يثيره لهيبها من الدخان.

ثم قال: فنال من الحياة أعزها، وأدرك من المراتب أجلها، ثم مات ميتة كريمة تشهي الموت إلى الجبناء، وتبقي عليك أكرم الثناء. وإنما حسن له الثناء على شبيب مع عصيانه لكافور ممدوحه، ما شرحه من أنه مع رفيع منزلته، لما فارق طاعة كافور، عاجله الله بنقمته.

نَفَى وَقْعَ أَطْرَافِ الرَّماحِ بِرُمْحِهِ ... وَلَمْ يَخْشَ وَقْعَ النَّجْمِ والدَّبَرانِ

ولم يَدْرِ أَنَّ المَوْتَ فَوْقَ شَوَاتِهِ ... مُعَارُ جَنَاحٍ مُحْسِنُ الطَّيَرانِ

وَقَدْ قَتَلَ الأَقْرَانَ حَتَّى قَتَلْتَهُ ... بِأَضْعَفِ قِرْنٍ، في أَذَلَّ مَكَانِ

وقع الشيء ووقوعه: كون ما يحذر منه، والنجم: الثريا، والدبران: كوكب تتصل

<<  <  ج: ص:  >  >>