فيقول، وهو يريد شبيبا: أتته المنايا في طَريق خفية مستترة، محجوبة عن الأبصار متغيبة، لا تدرك بسمع ولا بصر، ولا يستدفع ما يريد منها بشدة حذر.
ثم قال: ولو سلكت المنايا إليه طرق السلاح على سبيل القتال والمغالبة، والمعهود من الدفاع والمنازلة؛ لردها عن نفسه بيمين تطول ولا تقصر، وجنان يتسع بالحرب ولا يحصر.
تَوَحَّدَهُ المِقْدَارُ بَيْنَ صِحَابِهِ ... على ثَقَةٍ مِنْ دَهْرِهِ وَأَمَانِ
الجامل: القطيع من الجمال، والعكنان: الكثير من ذلك.
فيقول: إن شبيبا، وما قدمناه من شرح قتله، توحده المقدار مصمما نحوه، وساق إليه مستعجلا حتفه، وأصحابه مجتمعون، وأنصاره متوافرون، وثقته مستحكمة بما تمكن له من الغلبة، وهو آمن بما أفضى إليه من الهلكة.
ثم قال: وهل ينفع الجيش الكثير التفافه على أمير لا يأذن الله بنصره، ولا تتراخى الأيام به في سابق علمه.
ثم قال: إنه لم يبت ليلته تلك حتى أدى دية جنايته بتلف نفسه، وعجلت له نقمة عصيانه بمواجهة حتفه، ولم تكن دية ما جناه بالجمال الكثيرة، ولا وقعت على السبيل والمعهود.
أَتُمْسِكُ ما أَوْلَيْتَهُ يَدُ عَاقِلٍ ... وتُمْسِكُ في كُفْرانِهِ بعِنَانِ؟
وَيَرْكَبُ ما أَرْكَبْتَهُ مِنْ كَرامَةٍ ... وَيَرْكَبُ لِلعِصْيَانِ ظَهْرَ حِصَانِ!