للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لثقتهم بالماء.

فيقول: إنه على مقدرة من الرحلة في القفار النائية، وقوة على التصرف في المهامه الشاسعة، دون ركاب تحمله، وبغير إبل تنقله، لإدلاله بشدته، ونفاذه في الفلوات بمعرفته، فإن حار عند ذلك، فعيون رواحله عينه، وإن أعيي فصوت ركائبه صوته. يشير إلى أنه لا يستعين بالركاب، ولا يفتقر إلى الأصحاب.

ثم أكد ما قدمه فقال: فقد أرد المياه في تلك القفار منقطعا إلى الوحدة، معولا على ما استند إليه من النفاذ والقوة، لا استعين بهاد استرشده، ولا أعول على دليل أقلده، غير البرق الذي أهتدي بلمعانه، وأعرف مواقعه بتتابع خفقانه، يشير إلى أنه من ملازمة الفلوات على مادة متقدمة، ومن الخبرة بها على معرفة متمكنة.

يُذِمُّ لِمُهْجَتِي رَبَّي وَسَيْفِي ... إذا احتَاجَ الوَحِيدُ إلى الذمَامِ

ولا أُمْسِي لأَهْلِ البُخْلِ ضَيْفَاً ... وَلَيْسَ قِرى سِوَى مُخَّ النَّعامِ

الذمام: العهد، ومخ النعام: مثل ضربه للعدم؛ لأن النعام لا يكاد يوجد له مخ في عظامها، وإنما هي جوف لا مخ لها، ولذلك لا ينجبر ما انكسر منها.

فيقول: أنه لا يحتاج إلى دمام يمتنع به، ولا إلى جوار ينعقد له، وإنما يذم له ربه بفضله، [ويجيره] سيفه بحده، فهو كثير بنفسه، يمتنع بقوته وبأسه، إذا كان الوحيد ممن سواه مفتقرا إلى ذمام يحفظه، ومحتاجا إلى مجير يمنعه.

ثم قال: ولا أرضى أن أوجد ضيفا للبخلاء، معولا فيما أحاوله على الأدنياء، يوهمون أنهم ينالونني برفدهم، ويستميلونني بفضلهم، وقراهم لي مخ النعام، الذي هو عدم لا يوجد، ومسمى لا يعهد، وإنما أشار إلى تبخيل كافور وذمته، وإلى استقلال ما صار إليه من عنده.

وَلَمَّا صَارَ وُدُّ النَّاسِ خِبَّاً ... جَزَيْتُ على ابْتِسَامٍ بابْتِسامِ

وَصِرْتُ أَشُكُّ فِيْمَنْ أَصْطَفِيْهِ ... لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الأَنَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>