للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُحِبُّ العَاقِلُونَ على التَّصَافِي ... وَحُبُّ الجاهِلِيْنَ على الوَسَامِ

الخب: [المكر والخديعة] والاصطفاء: الاختيار، والأنام: الخلق، والوسام، جمال المظهر.

فيقول: ولما صار ود الناس خبا لا حقيقة له، وكذبا لا يوثق به، جزيت على الابتسام في اللقاء بايتسام مثله، وقابلت ما أشاهده من النفاق؛ نفاق الناس بشكله.

ثم قال: وصرت فيمن أصطفيه ممن أوده، ومن أسكن إليه ممن أحبه، على شك لا أدافعه، وارتياب لا أنكره؛ لأن علمي بأمر ذلك الذي خبرته واحد من الأنام الذين عم الفساد جملتهم، وملك النفاق عامتهم.

ثم قال: يحب العاقلون على قدر ما يجدونه فيمن أحبوه من المصافاة والمشاكلة، والمؤاخاة والمشاركة، وحب الجاهلين على قدر وسامة من يخصونه بمحبتهم، ويحسب جاه من يعتمدونه بمودتهم، وإنما ذلك لأن مودتهم احتيالات لا يوثق بها، وصناعات لا حقيقة لها.

وآنف من أَخِي لأَبي وأُمي ... إِذا ما لَمْ أَجِدْهُ مِنَ الكِرامِ

أَرَى الأَجْدَادَ يَغْلِبُها كَثِيراً ... على الأَولادِ أخْلاقُ اللَّئامِ

وَلَسْتُ بِمقتنِعِ مِنْ كُلَّ فَضْلٍ ... بَأَنْ أعْزَى إلى جَد هُمَامِ

الأنفة: الغضب والحمية، وأعزى: أنسب، والجد الهمام: العظيم الهمة.

فيقول: [آنف] من استقراب أخي شقيقي، وأكرهه وأنفر عنه وأتجنبه، إذا لم أجده كريما يتزين بفضله، سريا تسكن النفوس إلى مثله، فآلفه لكرم شيمه، ولا آلفه لعدم ذلك؛ لقرب رحمه.

ثم قال: أرى كرام الأجداد يغلبهم كثيرا على أولادهم، ويسبقهم إلى أعقابهم تخلقهم بأخلاق اللئام؛ لكثرة المتخلقين بها، ورغبتهم في مذاهبهم؛ لما يباشرونه من اعتياد الناس لها، وليس الأعقاب محمولين على الأجداد والسلف، ولا يتوارث ما قدموه

<<  <  ج: ص:  >  >>