العذر، ودل عليه بضرب، أظهره لها من الستر، وهذا باب من البديع مزج به الإيماء بالاستعارة، والكناية بمفهوم الإشارة.
ثم قال: بذلت لها المطارف الأنيقة، والحشايا الأثيرة، فعافت بما بذلته، وكرهت ما أعددته، واعتمدت عظامي تزحمها، ولازمتها توجعها وتؤلمها.
ثم قال على نحو ما قدمه: يضيق جلدي عني وعما يحاوله من الاشتمال به، وتطالبه من الاقتحام له، فتوسعه بأنواع السقم، وتغمه بضروب الألم، وكل هذا على نحو ما قدمه من الإشارة الكافية، والكناية المغنية.
إذا ما فَارَقَتْنِي غَسَّلَتْني ... كَأَنَّا عَاكِفَانِ على حَرَامِ
وَيَصْدُقُ وَعْدُها والصَّدْقُ شَرٌّ ... إذا ألْقَاكَ في الكُرَبِ العِظَامُ
العكوف على الشيء: الإقامة عليه، والمدامع: مخارج الدمع، وهي أمواق أربعة، واحدها موق، وهو طرف العين الذي يلي الأنف، لكل عين موقان، وهما أعلى ذلك الموضع وأسفله، والسجام: السائلة.
فيقول، مشيرا إلى الحمى: إذا ما فارقتني بعد طول المضاجعة، وتاركتني بعد شدة الملازمة، وأعقبتني من العرق ما هو كالغسل، وأحدثت علي به ضربا من الشغل، حتى كأننا عاكفان على حرام، نفترق عنه، ونستأنف الاغتسال منه.
ثم قال: كأن الصبح يطردها عني بما تحذره من الرقبة، ويفصلها بما هو عليها في الزيادة من الريبة، فتفارقني باكية، وتولي عني مشفقة، فتبلني بدمعها، وتوددني بما تظهر لمفارقتي من حزنها.
ثم قال: أراقب وقتها مراقبة الحذر، وأتعهده تعهد المنتظر، ويوجب ذلك شدة الإشفاق والتوقع، لا شدة الاشتياق والتطلع، وهي مع ذلك ملازمة غير متوقعة،