للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعاودة غير متخلفة.

ثم قال: ويصدق ما تعد به من العودة فلا تخلفه، وتلتزم الوفاء فيه فلا تغفله، والصدق في ذلك شر لك؛ لأنه يقودك إلى ما تكرهه، ويورطك فيما تحذره وتتوقعه.

أَبِنْتَ الدَّهْرِ عِنْدي كُلُّ بِنْتٍ ... فَكَيْفَ خَلَصْتِ أَنْتِ مِنَ الزَّحَامِ؟!

جَرَحْتِ مُجَرحاً لم يَبْقَ فِيْهِ ... مَكَانٌ لِلسُّيُوفِ ولا السَّهامِ

يقول: وهو يخاطب الحمى: أبنت الدهر، الطارقة من حوادثه، وناشئته الواردة من مكارهه، عندي كل بنت من نكباته يحدثها، وكل طارقة من صروفه يبعثها، فكيف خلصت أنت من زحام تلك الحوادث الواردة، وتضايق تلك النوائب القاصدة؟! فسمى الحمى بنت الدهر على سبيل الاستعارة، وأشار بما ذكره إلى اعتماد الدهر له بما يكرهه، وشدة تكرره عليه بما يؤلمه.

ثم قال، وهو يخاطب الحمى، ويشير إلى نفسه: جرحت مجرحا قد نهكته خطوب الدهر، وبالغته بما يقصده من الضر، فلم يبق فيه للسيوف مكان تناله بالضرب، ولا للسهام بقية تعتمدها بالرمي، فأشار إلى سوء حاله، ومبالغة الألم له، وشدة اغتراء الزمان به، وأجرى الكلام على سبيل الاستعارة والتجوز.

ألا يا لَيْتَ شِعْرَ أتُمْسي ... تَصَرَّفُ في عِنَانٍ أو زِمَامِ

وَهَلْ أَرْمِي هَوَايَ بِراقِصاتٍ ... مُحَلاَّةِ المَقَاوِدِ بِاللُّغَامِ

الشعر: مصدر شعرت بالشي، إذا انتبهت له، ونسب ذلك إلى يده على سبيل الاستعارة، والزمام: المقود الذي يصرف به البعير، وهو له كالعنان للفرس، واللغام: ما ترمي أفواه الإبل من الزبد، والراقصات: التي كأنها تتوائب في سيرها، والإبل توصف بذلك.

فيقول مستبطئا لما كان يهم به من الارتحال عن مصر، ومشيرا إلى تأسفه على

<<  <  ج: ص:  >  >>